المصدر: ويكيميديا كومنز
الحرب الأهلية الأمريكية (1861–1865): الأسباب، الأحداث والنتائج
الحرب الأهلية الأمريكية كانت من أعنف الصراعات في التاريخ الحديث، وامتدت بين عامي 1861 و1865، حيث تقاتلت الولايات الشمالية (الاتحاد) ضد الولايات الجنوبية (الكونفدرالية). نشبت الحرب على خلفية قضايا اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابكة، أهمها مسألة العبودية وتوسّعها في الولايات الجديدة. أسفرت الحرب عن أكثر من 600 ألف قتيل، لكنها مهدت لإلغاء العبودية وترسيخ سلطة الدولة الفيدرالية.
الخلفيات التاريخية والاقتصادية
منذ تأسيس الولايات المتحدة، كان هناك تناقض بين الشمال الصناعي المؤيد لتحرير العبيد والجنوب الزراعي المعتمد على العبودية في زراعة القطن. ومع توسع الدولة غربًا، نشأ صراع حول ما إذا كانت الولايات الجديدة ستكون حرة أم عبودية. أُضيف إلى ذلك التوتر السياسي، إذ شعر الجنوب أن مصالحه مهددة مع صعود الجمهوريين بقيادة أبراهام لينكولن.
المصدر: ويكيميديا كومنز
اندلاع الحرب
في 12 أبريل 1861 قصفت القوات الكونفدرالية حصن سومتر في ساوث كارولاينا، معلنة بداية الحرب. ردّ الرئيس أبراهام لينكولن بالدعوة إلى تعبئة 75 ألف جندي. سرعان ما انقسمت الأمة إلى معسكرين: 23 ولاية للشمال، و11 ولاية شكّلت "الكونفدرالية" بقيادة جيفرسون ديفيس.
أهم المعارك
معركة أنتيتام (1862)
في ولاية ماريلاند، وقعت معركة أنتيتام التي تُعدّ أكثر المعارك دموية في يوم واحد بالتاريخ الأمريكي (22 ألف قتيل وجريح). انتهت بلا حسم عسكري واضح، لكنها منحت لينكولن فرصة لإعلان تحرير العبيد.
معركة جيتيسبيرغ (1863)
المصدر: ويكيميديا كومنز
جرت في يوليو 1863 بولاية بنسلفانيا، واعتبرت نقطة تحوّل لصالح الشمال. هزم جيش الاتحاد بقيادة الجنرال جورج ميد قوات الجنوب بقيادة روبرت لي، مما أوقف زحف الكونفدرالية شمالًا.
حصار فيكسبيرغ (1863)
بعد حصار استمر أكثر من ستة أسابيع، استسلمت مدينة فيكسبيرغ على نهر المسيسيبي للجنرال يوليسيس جرانت. وبذلك انقسم الجنوب جغرافيًا وخسر السيطرة على أحد أهم طرقه التجارية.
إعلان تحرير العبيد (1863)
في الأول من يناير 1863 أصدر لينكولن "إعلان تحرير العبيد" الذي نصّ على تحرير جميع العبيد في الولايات المتمردة. لم يُحرر هذا الإعلان جميع العبيد فورًا، لكنه غيّر طبيعة الحرب، إذ جعلها معركة من أجل الحرية الإنسانية، وجعل من الصعب على بريطانيا وفرنسا دعم الكونفدرالية علنًا.
التدخلات الدولية
كانت بريطانيا وفرنسا تراقبان الحرب باهتمام كبير نظرًا لاعتمادهما على قطن الجنوب. إلا أن الرأي العام في أوروبا كان ضد العبودية، ما جعل الحكومات تتردد في الاعتراف بالكونفدرالية. بفضل دبلوماسية لينكولن وصدور إعلان التحرير، بقيت الحرب صراعًا داخليًا دون تدخل خارجي مباشر.
أبراهام لينكولن ودوره
المصدر: ويكيميديا كومنز
كان لينكولن رجل المرحلة بامتياز، إذ نجح في الحفاظ على وحدة الاتحاد، وفي الوقت نفسه ربط الحرب بمبدأ سامٍ هو الحرية. اغتيل في أبريل 1865، بعد أيام قليلة من استسلام الجنوب، ليصبح رمزًا وطنيًا خالدًا.
نهاية الحرب والاستسلام
المصدر: ويكيميديا كومنز
في 9 أبريل 1865 استسلم الجنرال روبرت لي لخصمه يوليسيس جرانت في أبوماتوكس بولاية فيرجينيا. مثّل هذا الحدث نهاية الحرب رسميًا، وانطلقت بعدها مرحلة إعادة الإعمار.
مرحلة إعادة الإعمار (1865–1877)
بعد انتهاء الحرب، واجهت الولايات المتحدة تحديًا ضخمًا في إعادة دمج الجنوب في الاتحاد وإعادة بناء اقتصاده. أُقرّ التعديل الثالث عشر للدستور (إلغاء العبودية)، ثم الرابع عشر (منح المواطنة)، والخامس عشر (حق التصويت للرجال السود). لكن هذه الإصلاحات واجهت مقاومة شرسة في الجنوب، وظهرت جماعات عنصرية مثل "كو كلوكس كلان".
النتائج بعيدة المدى
- إلغاء العبودية وتحرير نحو 4 ملايين شخص.
- ترسيخ سلطة الحكومة الفيدرالية على الولايات.
- إعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي وصعود الشمال الصناعي.
- إرساء مفهوم المساواة الدستورية رغم العقبات اللاحقة.
خاتمة
الحرب الأهلية الأمريكية لم تكن مجرد صراع مسلح، بل كانت معركة لتحديد هوية الأمة الأمريكية. بين الدماء والدموع وقرارات شجاعة مثل إعلان التحرير، خرجت الولايات المتحدة أكثر قوة ووحدة. ورغم جراحها، مهدت هذه الحرب الطريق لنهضة كبرى جعلت أمريكا في القرن العشرين قوة عظمى على الساحة الدولية.
المصادر
- McPherson, James. Battle Cry of Freedom: The Civil War Era. Oxford University Press, 1988.
- Foner, Eric. Reconstruction: America’s Unfinished Revolution, 1863–1877. Harper & Row, 1988.
- Wikimedia Commons – مكتبة الصور التاريخية (صور الحرب الأهلية الأمريكية).
إرسال تعليق